الجمعة، 15 ديسمبر 2023

ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا

 

سورة الكهف لها مواقف مختلفة مع تلاوتها في أيام الجُمع، منها موقف وقع لي مع هذه الآية الكريمة (إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا)


فقد مرت بي أيام كنت لا أتلو السورة في أيام الجمع إلا حال قيادتي للسيارة بسبب بعض الشواغل فكنت أستثمر وقت القيادة في القراءة، وكانت أياما صعبة، في يوم من تلك الأيام كنت أقود على طريق المحور، وهو الطريق الموصل بين أكتوبر حيث أسكن وميدان لبنان بحي المهندسين، وهو طريق متسع ممهد، مشمس في أغلب أيام السنة على جانبيه مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية بحيث يمكنك رؤية أهرامات الجيزة، والاستماع بمنظر الأفق من جميع الجهات من دون أي حائل، زد على ذلك أنه في أيام الجمعة يكون خاليا من الزحام كونه عطلة .. هذا الاتساع المشمس يبعث في النفس شيئا من الهدوء و الانشراح،  لكنه لا يغني عنك شيئا إن كان الضيق في صدرك.


كنت ذاك اليوم أقرأ سورة الكهف كالعادة حتى إذا بلغت قوله تعالى (إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا) فوقع في نفسي أن حالي اليوم وما أجده من أمور لا طاقة لي بها كحال هؤلاء الفتية.. وكانت تلك الأيام صعبة جدا عليّ فقلت طيب حالي كحالهم لما لا أدعو بدعائهم الذي رفع الله ذكره في كتابه الكريم وقصه علينا


وظللت أكرر قوله تعالى (ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا)، (ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا)، (ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا) 

كررتها كثيرا مستنجدا بالله ورحمته


ثم أكملت القراءة فإذا بي أجد الآية التي تليها (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا)

فكأنك ألقمتني حجرا! توقفت لحظة متديرا، وقلت: ماذا لو منَّ الله عليّ بما من عليهم به، وضرب على سمعي وأخرجني من بلائي كما أخرجهم من الحياة بالكلية، نعم أخرجهم إلى كرامة لكن هل أطيق هذا؟

هل أرضى به؟ 


أنا أجاهد في هذه الحياة حتى أبلغ ما أرجوه، فهل أستسيغ خروجي فجأة من دون أن أصل إليه؟

ربما يكون التفكير الإيماني العقلاني أنك إن انتقلت من هذه الدار إلى دار كرامة ورحمة ومغفرة فبها ونعمت لكن الضعف البشري يوسوس لك بطول الأمل والتشبث بالحياة

وبعد مداولات ومساجلات ومحاكمات بيني وبين نفسي وجدتني متشبثا بآمالي في الحياة الدنيا، فقلت يا رب تعلم ضعفي، ولعلي ظننت أن حالي كحال فتية الكهف من الضيق لكني ربما أكون أسيرا لطول الأمل فيسر لي ما يصلحني ويجبر ضعفي

فلا يدري أحدنا حقيقة نفسه من دون اختبار حقيقي وإن ادعى أحدنا ما ادعى، فلا تسلم له تلك الدعوى حتى يُختبر، أو يرحمه الله بفضله من دون اختبار بمحض رحمته تعالى، وليس بدعوى جوفاء لم يُمتحن صاحبها

فنسأله تعالى الستر والعافية

#سورة_الكهف
#يوم_الجمعة