الأحد، 16 يونيو 2019

وقفة مع الشيخ الشريف حاتم العوني





عرفتُ الشيخ حاتم العوني الشريف في حدود سنة 2003 تقريبا وكنت منشغلا انشغالا كليا بعلم الحديث وفروعه، وفي بداية معرفتي به فتنت باستقرائه الواسع لعلوم الحديث وكتب الرجال، وأفدت منه كثيرا، من كتبه ودروسه الصوتية، وكان أول اتصال شخصي به عندما قرأت مشيخة قاضي المارستان أبي بكر الأنصاري لاهتمامي حينئذ (وإلى الآن) بكتب المشيخات والأثبات، ووجدت تحقيق الشيخ للكتاب من أمثل الطرق التي تحتذى في تحقيق هذا النوع من الكتب، فوقفت على وهمٍ وهمَ فيه الشيخ فأرسلت له رسالة قصيرة ذكرت فيها هذا الوهم ومصدر تصحيحه، فرد علي برسالة شكر سائلا عن اسمي كي يحيل علي إن أعاد طبع الكتاب وصحح ذاك الوهم..


ثم مرت السنون وسافرت لمكة في أوائل 2009 للعمل في وظيفة بحثية، فكانت فرصة جيدة أن ألتقي بالشيخ، وعن طريق أحد إخواني حضرت مجلس الشيخ الذي كان يعقده في بيته حينها مرة كل أسبوع، وفي شهر رمضان تلك السنة كنت أنضم لجلسة مع الشيخ في عدد قليل من الإخوة في سطح المسجد الحرام بعد صلاة التراويح يوميا..

والشيخ حفظه الله صاحب استقراء واسع في كتب التراث وإن كان تعمقه أكثر في علوم الحديث، لكن الشيخ أيضا له قراءة واسعة في علوم شتى، وله اهتمام بالأدب والأصول والفقه..

أما خلق الشيخ، فقد رأيت من ذلك ألوانا مختلفة -غير مصطنعة- من محاسن الأخلاق وطيب النفس وسعة الصدر والتواضع، ومن أكثر المواقف التي استوقفتني حينها وكنا على سطح الحرم أن الشيخ طرح علينا اعتراض لأبي فهر السلفي أحمد سالم عليه في تحرير مسألة حول اعتقاد السلف، وكان من أبي فهر أن اعترض عليه بشد وحِدّة، فأخبرنا الشيخ بمفاد الاعتراض عليه ودافع عن رأيه بنقل كلام أهل العلم، ثم بث شكواه بكل لين أن الاعتراض لم يكن ينبغي أن يكون كذلك وكان يسعنا أن نتناقش في الأمر دون هذه الشدة، وكان على أبي فهر أن يتصل بي ونتناقش... في الحقيقة كنتُ حال سماعي ذلك في حَيرة شديدة، وأحدث نفسي بأن الشيخ كان يطلب العلم قبل أن يولد أحمد سالم فكان المنطقي أن يعنفه على تجازوه وعدم التزام حده..
وكان الشيخ في مدة مكثي في مكة التي اقتربت من عام كامل من أفضل من قابلتهم هناك، وكذلك المحقق المعروف والشيخ الفاضل موفق بن عبدالله وهو أمثل من رأيتهم وأكبرهم في عيني علما وخلقا، هذا بجانب عدد لا بأس به من الهلكى المنسوبين إلى العلم زورا وتشبعا.


 نشر الشيخ حاتم في صفحة منشورا تحت عنوان:

حديث صحيح يُثبت سماع الصحابة (رضي الله عنهم) في أعراسهم للموسيقى(آلات المعازف كالطبول والمزامير)

ثم ذكر هذا الحديث: عن جابر بن عبد الله، قال: كان الجواري إذا نكحوا كانوا
يمرون بالكَبَر والمزامير ويتركون النبي صلى الله عليه وسلم قائما على المنبر، وينفضون إليها، فأنزل الله {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها} [الجمعة: 11]»
ثم كتب الشيخ مقالة مطولة عن تصحيح الحديث والرد على من ضعفوه! والأثر
صحيح لا إشكال في ذلك، لكن المشكلة ليست في ذلك، المشكلة تكمن في الفهم المتحيز للآراء المسبقة، وما يترتب على ذلك من التلبيس

ولم أكتب ذلك لتحرير مسألة فقهية، فالمسألة طويلة وفيها خلاف لا يُحرر هنا في 
هذا السياق، وليس هدفي أن أقول أخطأ الشيخ في القول بحل المعازف، فالفقه أعظم من مناقشته بهذا الاستخفاف في هذا المقام

وإن كنت لست في معرض مناقشة المسألة فقهيا ولكني أقول تعلمنا من مشايخنا 
ومنهم الشيخ نفسه أن الفقه لا يؤخذ هكذا، وأوجه القصور في هذا الطرح كثيرة ومتنوعة، منها:

- أن سورة الجمعة نزلت غالبا في السنة السادسة بعد الهجرة، فقد يقال: أن ذلك كان قبل التحريم.
- وقد يقال هناك روايات شارحة مفصلة لهذا المتن المذكور (كما في الدر المنثور) توضح أن فهمك غير متجه
- أيضا الآية في معرض التوبيخ والذم لفاعل ذلك، وقد سماه الله تعالى لهوا ولا يقال أن التجارة حلال واقتران اللهو بالتجارة لاتحاد الحكم، فهذا استدل معوج لأن الحكم يؤخذ بمجموع الأدلة، والتجارة ليست حلال لتلك الآية منفردة إنما لمجموع الأدلة، كذلك اللهو من يقول بحرمته إنما لمجموع الأدلة، وانظر إلى اللهو في كتاب الله وعلى أي وجه جاء.. (وهذا الخلل مشهور لا يخفى، ويضرب المثل في شرحه بالخوارج والمرجئة، فالمرجئة أخذوا بأدلة الوعد مثل حديث (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) دون النظر للوعيد فقل لا إله إلا الله وافعل ما بدا لك فلن يضرك ذلك، والخوارج فعلوا العكس)
- ثم وجود مَن ينفض عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى اللهو كان موجودا طيب كان النفاق أيضا موجودا، وسب النبي صلى الله عليه وسلم، ألم يسب ابن سلول النبي صلى الله عليه وسلم في غير موقف وينتقص منه، فهل ندعوا لقبول النفاق (مع الاختلاف بين اللهو والنفاق)



وأكرر وأقول لست في معرض تحرير المسألة لكني أناقش الانتقائية والتحيز في هذا المنطق غير المتسق ظاهر الخلل، والشيخ حاتم كبير في عيني، لكني أرى أن تحيزاته تأخذ به إلى منطقة ضبابية، فهذه الطريقة في الاستدلال اعتمادا على أثر منزوع من كل سياقاته طريقة غير مرضية وهي الطريقة التي يلهج الشيخ بنقدها وتقريع أصحابها من السلفيين.


وأرجو ألا يكون مثل هذا المنشور في سياق واحد مع افتتاح ماخور جدة (الحلال!)


كتبت ذلك اعتراضا على الاستخفاف بالعقول والتلاعب بدين الناس