هذه المواضع المظللة وقعت تحت الحكم الإسلامي في
وقتٍ ما، وعاش فيها جماعات من المسلمين هذا على سبيل الإجمال، كما عاشوا في غيرها
مع ملاحظة أنني اعتمدت على موقع (www.mapchart.net) في إخراج هذه الخريطة بهذا الشكل ومعلوم أن هذا أكثر الخرائط
الحديثة تشير إلى الحدود الحديثة التي وضعت في أغلبها بعد الحرب العالية الثانية،
فلم تكن حدود الدول كما هي هنا، فعندما نقول (الصين) في سياق حديث تاريخي فيجب أن
نحدد أي (صين) نقصد، فعندما نقول (المملكة الإسلامية في الهند)! في أي عصر؟ وأي
(هند) فمن يعرف التاريخ يعرف أن المقصود ليس له علاقة بالهند المعروفة اليوم..
وهكذا في كثير من البلدان
ما علاقة هذا بالمخطوطات العربية
كل جماعة مسلمة عاشت في تلك المساحة الشاسعة التي
تزيد عن نصف العالم القديم كانت تستخدم اللغة العربية بشكلٍ ما، وتكتب بها
المؤلفات المختلفة، وكانت أفكارها مدونة باللغة العربية أو بلغات مختلفة بحروف
عربية، تلك الشعوب والأعراق كلها تجتمع في منشأ الأفكار الدينية ويتفرع عن تلك
الأفكار ممارسات مختلفة مثل التمذهب، وأنماط التأليف، وتقاليد النساخة وسائر الطرق
المختلفة في تداول الأفكار
لكن تلك الأفكار في تداولها كانت تتأثر بمؤثرات
مختلفة، على مستوى الأفكار نفسها وتطورها وفق الواقع والنوازل المتنوعة، وعلى
مستوى الأدوات المتاحة لتداول تلك الأفكار
وما يهمنا هنا في تاريخ الكتاب الإسلامي = كل ما
يؤثر في صناعة الكتاب وتطور الأفكار ..
ما هو نطاق تداول المعرفة في هذا البلد أو الإقليم
كالتعدد المذهبي، وماهية المؤسسات التعليمية كمًّا وحجمًا، وما يتفرع عن ذلك
كالأوقاف والوراقة وأعداد المتعلمين أو المشتغلين بالعلم ..
هذا من جهة، ومن جهة أخرى ما هي الأدوات المتاحة في
هذا الإقليم لصناعة الكتاب كالأوراق والجلود والمواد الخام للأحبار والأقلام والجدوى
الاقتصادية للنساخة أو تجارة الكتب.. بل ووضع الأقاليم التي تربطها بهذا الإقليم
صلات تجارية أو سياسية، كما نرى التأثيرات العُمانية في السواحل الشرقية لإفريقيا،
والتأثيرات اليمنية في ماليزيا وإندونيسيا..
هذا، وينبغي لنا هنا أن نستحضر أن ارتباط المسلمين
بمكة المكرمة والمدينة النبوية كان له دور كبير جدا في توحيد المسلمين والربط
بينهم بشكل ما، هذا الارتباط كان يجمع بين مسلم من جنوب إندونيسيا أو الفلبين أو
بورما في أقصى الشرق ومسلم آخر من أقصى المغرب أو من جنوب الصحراء وربما من جنوب
فرنسا..
وكما هو معلوم من الشواهد التاريخية المتواترة فإن
طبقة العلماء وطلاب العلم (أو أغلبهم) في تلك البقاع المتفرقة ذهبوا لمكة المكرمة
والمدينة المنورة ولو مرة واحدة على الأقل للحج أو الاعتمار أو المجاورة.. والأخذ
عن العلماء والاستجازة منهم كان مقترنا بذلك كما هو معلوم.. زد على ذلك حرية
الانتقال التي كانت مكغولة للجميع في تلك الأعصار قبل فرض الحدود المعروفة الآن
بشكلها الحديث، فقد كانت قافلة الحج أو التجارة تمر من إقليم إلى آخر بكل سلاسة
مقابل ضريبة تدفعها لحاكم الإقليم أو لدليل يرشدهم ويحميهم في منطقته وهكذا
طيب ما العلاقة المباشرة بين ذلك كله وتقاليد
النساخة أو تاريخ الكتاب؟
علاقة ذلك أن الشخص الذي درس المخطوطات لعشر سنوات
أو عشرين سنة هذه السنوات لا مكنه من الإحاطة بتلك التقاليد المختلفة، ولا تمكنه
بحال من أن يفسر كل ما يجد في المخطوطات إلا على سبيل غلبة الظن ..
إهدار كل ما سبق وعدم اعتباره في تفسير الظاهر
النساخية ضلال بعيد..
وأضل منه وأدهى وأمر تفسير تلك الظواهر وفق ما ورد
في أدبيات النساخة!
فكثير من النساخ لم يكن علم عن تلك الأدبيات شيئا،
إنما تعلم النساخة كل خلف منهم عن سلفه كما كان يقع في كل الحرف والصناعات، هذا
عند الأكثر منهم، والنساخة عمل إنساني يتأثر بماهية هذا الإنسان
زد على ذلك أن أدبيات النساخة كتبت في أزمنة وأمكنة
متفاوتة، كل منها رصد ما وجد عليه أهل عصره ومن سبقوه، لذلك فإن الاقتصار في الحكم
على تقليد نساخي في القرن العاشر أو تفسيره وفق ما ورد عند الخطيب البغدادي (ت463)
أو ابن الصلاح (ت643) في حقيقته جنوح إلى الاستسهال وربما السذاجة
ومن أراد أن يتبين ذلك فليقارن بين الجامع للخطيب
ومقدمة ابن الصلاح من جهة وجامع بيان العلم لابن عبد البر (ت463) والإلماع للقاضي
عياض (ت544) من جهة أخرى (وأعني المواضع المختصة بآداب النساخة وتصحيح الكتاب)
سيجد نقاط جوهرية اتفق أهل المشرق عليها من دون أهل المغرب.. (وهذه فكرة بحث لمن
أراد) وقد حررت بعضها في كتاب اقتربت من تبييضه دعواتكم معنا
وأضرب لذلك مثالَين وقعا معي:
الأول: هناك اعتقاد سائد ومشهور أنه كل حاشية
تعقبها كلمة (منه) تعود لمؤلف الكتاب. وقد وقفت على أشياء صريحة وأخرى مستنبطة
تبطل هذا الاعتقاد وتجعله مجرد اختيار تفسيري لا بد لتأكيده من قرائن أخرى، وقد
نشرت أحد تلك الأدلة قبل ذلك وهو تصريح أحد الكتاب على غلاف النسخة أن كل (منه) في
الكتاب لا تعود للمؤلف.. وهناك أدلة كثيرة وقفت عليها لا تقل عن هذا في القوة
والصراحة
الثاني: صرح العلماء أن (أخبرنا) قد تُختصر في
الكتابة إلى اختصارات منها (أبنا) وذكروا أن (أنبأنا) لا تُختصر بل تكتب كاملة،
وعليه استخلص كثير من الباحثين أن كل (اىىا) في المخطوط هي اختصار أخبرنا، وإن
كانت غير معجمة كهذه. ومع أن بعض النساخ يكتب (أنبا) و (أنبأ) مع ذلك يفسر هؤلاء
هذا الصنيع أنه اختصار لأخبرنا لكن الناسخ أخطأ (هذا اعتمادا على ما ذُكر في
أدبيات النساخة)، وقد ذكرت لأحد الإخوة أن هذا التفسير غلط لأن الواقع يكذبه خاصة
عند المتأخرين فمنهم من يختصر (أنبأنا) إلى (أنبا) أو (أنبأ) لكنه رفض ذلك رفضا
قاطعا بحجة أنهم ذكروا ذلك في كتب المصطلح.. ثم بعد نقاشي معه بأشهر وقفت على نص
لأحد علماء القرن العاشر يصرح فيه أن بعض النساخ يختصرون (أنبأنا) الله أكبر، فهذا
ليس كلام تامر أو مشاهداته
وهناك أمثلة يصعب حصرها في هذا الباب منها اصطلاح
الناسخ على اختصارات من دون أن يبينها وقد تحدث لبسا كبيرا بسبب اشتراكها مع
اختصارات أخرى مشهورة للدلالة على أشياء مختلفة.. مع تشديد العلماء في المنع من
هذا لكنه يقع وذكر بعض العلماء أمثلة له..
وهذا أيضا ليس كلام تامر أو مشاهداته! أقول ذلك
لأنك تجد (عند البعض) كلام المعاصر أو القرين (بيقف في الزور) فممكن استخدام مليّن
أو أي شيء يُسهل البلع ونصيحة شيخنا الدكتور أحمد معبد استخدام الفازلين
وأنا يا من صبرت وقرأت هذا القول إلى نهايته فجزاك
الله خيرا، ونفعنا وإياكم بما فيه من صواب، وغفر لنا ما فيه من خطأ أو زلل
#علم_المخطوطات
#تقاليد_النساخة_العربية
#المخطوطات_العربية
#تاريخ_الكتاب
#تاريخ_الأفكار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق